تطوير أسلوبك في الكتابة
1
حدد لنفسك الأسباب التي تدفعك للكتابة. يمكن للكتابة أن تكون هواية شخصية للغاية أو ربما أنك طامح لنشر سلسلة من الكتب ومشاركة أفكارك وخيالاتك مع القراء. قد تكون حاجتك لتعلم الكتابة مرتبطة كذلك بالحاجة لكتابة مقال مدرسي أو لأنك تحتاج إليها بشكل أو آخر في مهامك العملية في وظيفتك الحالية. الكتابة عملية صياغة للأفكار ونقلها للآخرين؛ أي أنها شبيهة تمامًا بالكلام والمحادثات، ويعني ذلك أنها مهارة مهمة للجميع أيًا كانت استخداماتها، وليست مقتصرة على من وُلدوا لديهم موهبة الكتابة. يقدر أي شخص في العالم على تحسين مهارته في الكتابة، ونقطة الانطلاق نحو هذا الهدف هي أن تتعرف على أهدافك ودوافعك من وراء الكتابة. يُسهل ذلك كثيرًا من مهمتك ويحدد لك ما تحتاج للتركيز عليه للمضي قدمًا.
- على سبيل المثال: لا تحتاج كتابة المقالات العلمية إلى ابتداع عالم روائي وشخصيات مشابهة لتلك التي تحتاج إليها في حالة الكتابة الروائية. نفهم من ذلك أن معرفتك لما أنت بصدد الكتابة حوله يساعدك كثيرًا على تصميم نهج لتحسين مهاراتك. يمكننا من هذه النقطة إذًا أن نسميها "مهارات الكتابة" بالجمع، وليست "مهارة الكتابة"، فهي ليست شيئًا واحدًا فقط لا غير.
2
اقرأ للعديد من الكُتاب المختلفين أصحاب أساليب الكتابة المتنوعة وفي أكثر من نوع أدبي. اقرأ لمجموعة واسعة من المؤلفين والكتاب في الرواية والشعر والمقالات والتقارير الصحفية. اطلع على مختلف الأنواع الأدبية، سواء تلك التي تشغل اهتماماتك أو غيرها التي لم تظن أبدًا أنك مهتم بقراءتها. تتعرف من خلال ذلك على أساليب الكتابة المختلفة وتُوسع مداركك بخصوص صوت الكاتب وصياغته للأفكار. يُقال أن الكتابة مجرد عملية استدعاء للذاكرة، وتكون مهمة ذلك الاستدعاء أسهل عندما يتوفر لديك ذاكرة مشحونة بالأفكار والصيغ والمفردات، وتظهر هنا أهمية القراءة؛ فهي أداة شحن الذاكرة الأفضل على الإطلاق. سوف تنعكس قراءاتك على أسلوبك وصوتك المميز في الكتابة.
- لا تقيد نفسك بالقراءة في نوع أدبي واحد أو لنوعية محددة من الكتابات. اقرأ الروايات وكذلك الكتب غير الروائية والشعر والمقالات الصحفية والمقالات الأكاديمية واطلع كذلك على كل أقسام الصحف ونصوص التسويق المكتوبة بذكاء وحرفية. يضمن لك هذا الاطلاع المستمر على أساليب الكتابة المختلفة إثراء ذهنك وزيادة قدرته على معالجة الأفكار على هيئة نصوص مكتوبة في وقت لاحق. ينشأ من خلال هذا الاطلاع ما يُسمى بأدوات الكاتب، متضمنًا ذلك كل من (المفردات والأسلوب الفني وكيفية معالجة الأفكار).
- لا يوجد عيب كذلك من قراءة النصوص التي تساعدك بشكل مباشر على الانتهاء من كتابة النص الذي تعمل عليه في الوقت الحالي. يقول الكاتب العالمي ت. س. إليوت: "الكاتب الجيد يستعير الأفكار، والكاتب العظيم يسرقها". لا تنتظر – يحدث أبدًا – أن تنشأ نصوصك المكتوبة من الفراغ من تلقاء نفسها، لكن في المقابل تكون عبارة عن معالجتك الشخصية لمجموعة من المشاعر والأفكار التي استرقت النظر إليها من خلال نصوص ومواد أخرى من حولك. إذا كنت تكتب رواية خيال علمي على سبيل المثال، فيمكن لقراءة روايات الخيال العلمي الأخرى أن تضعك على أول الطريق لمعرفة كيفية كتابة هذا النوع من النصوص، وكذلك تستفيد كثيرًا من قراءة المقالات العلمية التي تمدك بالمواد التقنية التي تدعم حديثك بواقعية عن ذلك العالم الخيالي الصرف في الرواية، خالقًا ما يُعرف باسم "الإثارة والجاذبية العاطفية".
- ضع لنفسك جدولًا منظمًا للقراءة. سوف ينعكس التزامك بالقراءة (ولو لمدة 20 دقيقة فقط يوميًا قبل الخلود للنوم) على تحسن أسلوبك في الكتابة بشكل غير مباشر.
3
فكر بشكل مستمر في الموضوعات والحبكات والشخصيات التي ترغب في إضافتها لنصوصك. تحتاج دائمًا قبل البدء في الكتابة إلى امتلاك فكرة مبدئية حول ما أنت بصدد الكتابة حوله، وهو ما يُعرف بعملية "العصف الذهني" أو استغراق الكتاب المستمر بداخل عقولهم بحثًا عن شيء يمكنهم الكتابة حوله. يمكنك مثلًا أن تشعر برغبة عارمة لكتابة رواية عاطفية عن قصة حب بين مصاص دماء وفتاة من الزومبي! يمكنك الكتابة عن النباتات أو المحادثات الدائرة بين الجمادات الصامتة في المنزل التي لا يمكن لك ولأسرتك الاستماع إليها. يمكنك حتى أن تكتب عن نفسك، سواء ذكرياتك في الماضي أو معالجتك للأفكار في ذهنك في اللحظة الحالية أو تخيل شكل نفسك في المستقبل. من كل مفترق طرق يمكنك أن تخرج لملايين الاحتمالات والأفكار الأخرى التي لا تنتهي. فكر في الأمر على النحو التالي: لا يوجد شيء في العالم لا يمكنك الكتابة حوله، لكن يظل من المفيد أن تحكم طموحك في الكتابة بإطار ذهني متمثل في محاولة الإجابة على الأسئلة التالية:
- ما النوع الأدبي/ فئة الكتابة التي يمكن أن يُصنف نصك تبعًا لها؟
- ما الأفكار العامة التي تمثل جوهر القصة أو النص؟
- ما الصفات الشخصية البارزة التي يتمتع بها بطل القصة؟
- ما الدوافع المُحركة للخصم/ أعداء البطل؟
- ما النبرة المستخدمة في صياغة النص (الكوميديا أم الحزن والمأساة … إلى آخره)؟
- لماذا سوف يشعر القارئ بالإثارة لمتابعة حبكة النص ومواصلة القراءة لمعرفة ما سوف يحدث في النهاية؟
4
ضع مخططًا للموضوع والفكرة الجدلية المبني حولها النص غير الروائي. تحتاج بعض أنواع الكتابة إلى صياغة جدلية بدلًا من الاعتماد أكثر على الشكل الروائي والأدبي، كما هو الأمر مثلًا مع المقالات الإخبارية أو مُقدمات المجلات أو المقالات الدراسية أو الكتب العلمية. يجب عليك في هذه الحالة البدء بتضييق نطاق موضوع النص، واضعًا في الاعتبار مختلف الموضوعات والمفاهيم والأشخاص ومجموعات البيانات المتنوعة التي يمكنك الاعتماد عليها، ثم مستخدمًا كل ما سبق في تضييق نطاق الموضوع وصولًا إلى نقطة جانبية مفصلة يمكنك الاسترسال في مناقشتها وشرح وجهة نظرك.
- اطرح على نفسك أسئلة شبيهة بما يلي: ما هي حجة المناقشة التي ترغب في استعراضها مع القراء؟ من هم الجمهور المستهدف قراءته لذلك النص؟ ما هي المفاهيم والأفكار والحقائق التي تقتضي إجراء عملية بحث مفصل حولها؟ ما هو نوع الكتابة الذي يندرج تحته هذا النص؟
- على سبيل المثال: إذا كنت بصدد الكتابة حول كيف نجح الفراعنة في بناء الأهرامات، فعليك أن تضع قائمة بجوانب الحياة المختلفة في الفترة الزمنية التي سبقت وعاصرت بناء الأهرامات، ثم اختر من ذلك العوامل التي ترى أنها وثيقة الصلة بالإجابة على سؤال كيف تم بناء الأهرامات.
- إذا كنت تتحدث عن موضوع عام أكثر، مثل مظاهر الحياة الحديثة في القرن الواحد والعشرين، فأنت لديك حرية أكبر في استعراض أكثر من فكرة دون أن يجمعهم صلة مباشرة ولكنها صلة عامة واسعة النطاق. يمكنك مثلًا الحديث حول الاستهلاك والعلامات التجارية العالمية الموجودة في المدن الكبرى والقرى المقفرة في الدول تحت خط الفقر، وكذلك عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على العلاقات بين البشر.
5
جرب الكتابة الحرة في محاولة لدفع أفكارك على التدفق. اضبط مؤقتًا زمنيًا يرن بعد فترة قصيرة من الوقت واستغل تلك الدقائق في الكتابة الحرة دون توقف، والتي لا تخضع لأي تقييم أو مراجعة ذهنية لما تكتبه؛ فقط اكتب كل ما يخطر على بالك. لا مجال هنا للقلق حيال الأخطاء اللغوية أو صياغة الجمل أو الحكم على جدوى ما تطرحه من أفكار. تخيل أنك تلاحق الزمن قبل حدوث انفجار ضخم بداخل عقلك وكل ما تريده الآن هو إنقاذ كل ما يمكنك إنقاذه وواصل الكتابة المتلهفة المتسارعة قبل أن ينقضي الوقت. قد لا تستخدم أبدًا أيًا من تلك النصوص، لكنك تتعلم من خلال هذا التمرين كيف تهزم حالات العجز عن الكتابة من خلال نجاحك بالفعل في ملء صفحة بيضاء بكلمات وأفكار تدور في ذهنك، وهو ما يحفز عضلات الكتابة ويشجعها على العودة للعمل.
- يمكن تطبيق الكتابة الحرة تقريبًا على أي نوع من الكتابة. يمكنك في أثنائها كتابة قصة أو تدوين كل أفكارك وملاحظاتك التي تدور في ذهنك أو الحديث بالتفصيل حول كل ما تعرفه عن شخص/ موضوع. اترك الكلمات تتدفق دون أن تقلق حيال ما لها أن تكونه.
6
حدد الجمهور المستهدف واضعًا في الاعتبار الخلفية المعرفية المتوفرة لديهم حول الموضوع. يقدر الكاتب الجيد دائمًا على معرفة وجهة نظر الجمهور المستهدف حول القضية التي يتناولها بنصه، أي أنه دائمًا ما يضع نفسه في مكان القارئ ومن ثم يعرف من خلال ذلك كيفية استدراجه للقراءة وإقناعه بما يريد أن يقنعه به. فكر جيدًا في الجمهور المستهدف، أي الأفراد الذين تتوجه إليهم بالحديث من خلال النص ومن يفترض لهم أن يقرؤونه ويتأثروا به. كلما تعرف جيدًا على الجمهور، كلما تمكنت من تخصيص وتهيئة النص بما يتناسب مع عقولهم وتفضيلاتهم في القراءة ونجحت في الوصول إليهم.
- تُحدد من خلال تعريفك للجمهور المستهدف أسلوب اللغة المناسبة للنص والنقاط التي تستدعي شرحًا مفصلًا أكثر في مقابل الأفكار الأخرى الجلية التي يقدر القارئ على سد فراغتها بنفسه من واقع تجاربه وخبراته.
- في الكتابة الأكاديمية على سبيل المثال، يفترض أنك تتشارك مع جمهور القراء الخلفية المعرفية العلمية حول موضوع النص، وهو ما يعني أنك لست بحاجة للإفراط في تعريف الأساسيات والمصطلحات التقنية المتعارف عليها (في المقابل إذا كان جمهورك المستهدف هم العامة أو المبتدئين في المجال، فأنت مضطر لشرح الأساسيات بتفصيل أكثر). تحتاج كذلك في هذا النوع من الكتابة إلى الأسلوب الموجز التقريري بدلًا من الكتابة النثرية المنمقة.
- من الطبيعي أن يرغب الكاتب في أن ينال نصه الإعجاب من الجميع، وحقيقة الأمر أنه هدف لطالما عمل عليه المتمرسين في الكتابة (أن تكون النصوص متعددة المستويات وقابلة للقراءة والفهم من عدد كبير من القراء، كلُ على حسب معرفته وخبراته وتفضيلاته)، لكن في بداية مسيرتك في الكتابة قد يكون الأنسب لك هو التحلي بالواقعية وتحديد فئة معينة من الجمهور للتحدث إليها. قد تجذب لغتك العاطفية محبي الروايات الرومانسية لقراءة رواية الخيال العلمي التي تكتبها، لكن سيظل قراء الخيال العلمي أنفسهم راغبين في احتواء روايتك على ما يميز هذا النوع الأدبي من الكتابة (الخيال والعلم والغرائب).
7
أجرِ عملية بحث مفصلة حول موضوع الكتابة. يلعب البحث دورًا بالغ الأهمية دائمًا أيًا كان موضوع أو نوع الكتابة التي تقوم بتنفيذها؛ في حالة المقالات القصيرة، يجب أن تجري عملية بحث حول البيانات والمصادر ذات العلاقة بموضوع المقال، وهو ما يدعم ما تعرضه من وجهة نظر بدلًا من الإغراق في الآراء الشخصية غير المثبتة. في الروايات والقصص القصيرة، يوجد ما يُسمى بالبناء غير المرئي للنص، ويُقصد به التقنيات والتاريخ والموضوعات المتعلقة والفترات الزمنية وبناء الشخصية (الواقعية والمتخيلة) والأماكن وكل شيء مشابه يتضافر سويًا في سبيل تشكيل النص القصصي النهائي.
- كن انتقائيًا لأقصى درجة فيما يتعلق بالمعلومات التي تستقيها من الإنترنت، فالعديد من المصادر الإلكترونية غير جديرة بالثقة. تعلم كيفية الحكم على مصداقية المصادر التي تعتمد عليها في بحثك واضعًا الأولوية دائمًا للمصادر الموثوقة، مثل: الدوريات الأكاديمية والكتب التابعة لجهات النشر المتخصصة والمعتمدة، والتي تخضع محتوياتها لعملية فحص دقيق تجعل منها الخيار الأمثل لاستخراج المعلومات الموثوقة.
- تفقد المكتبات. يمكنك دائمًا أن تجد الكثير من المعلومات الهامة حول موضوع الكتابة من خلال الكتب المتاحة في المكتبات العامة ومحلات بيع الكتب، خاصة ذلك المحتوى الذي لم يتم إتاحته عبر الإنترنت بعد. اعتمد كذلك على المكتبات التابعة للجامعات الكبيرة سعيًا للمزيد من خيارات البحث المتاحة.
- البحث بالغ الأهمية في الأعمال الروائية والخيالية كذلك، فلا يمكنك الجلوس في المنزل وكتابة كلمة من الشرق وكلمة من الغرب واعتبار أن ذلك هو الخيال العلمي. يجب أن تمنح نصك قدرًا من المعقولية والسياق القابل للتصديق مهما كان خياليًا بالأساس، وقد يتسبب عدم إجرائك للبحث الكافي في وقوعك في أخطاء ساذجة، كأن تقول مثلًا أن بطل الرواية عاش منذ 600 عام وقابل يوليوس قيصر (الذي عاش منذ أكثر من 2000 عام)، وهو ما يفقد القارئ حماسه لمواصلة قراءة هذا النص غير المبذول جهد فيه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق